إذا كنت من الناس أصحاب الهمم والطموح، فلا بد أنك مرة أو مرات فشلت في بلوغ غاية أو تحقيق هدف من أهدافك في حياتك، لأن في التاريخ كله لم تمر علينا قصة شخص ما، كلها إنتقال من نجاح إلى نجاح.
فالحياة عبارة عن نجاحات تخللها بعض لحظات الفشل أو ربما فشل تخلله بعض النجاحات.
إذن علينا أولا، أن نتفق على أن الفشل شئ عادي ويحدث لكل الناس. عند الاقتناع بهذا، يمكننا الحديث عن كيفية التعلم منه
الفشل في مشروع ما يحفزك على بذل المزيد من الجهد وإستخراج الطاقات الكامنة في نفسك، لأن الفشل في شئ ما، يجعل منه تحديا يستنفر جميع إمكاناتك وقدراتك. الصعوبات تحفزنا على بذل المزيد من الجهد، والتفكير خارج الصندوق للعثور على حلول لتخطي العوائق والصعوبات.
لكن علينا أن ننتبه إلى شئ أساسي وهو الحرص على عدم تكرار نفس الخطط والخطوات التي قادتنا للفشل، لأننا إذا قمنا بالتكرار حرفيا لتجربتنا السابقة، سنحصل على نفس النتيجة وهي الفشل، فتكرار المحاولة يعني التكرار مع تغيير الخطة والطريقة والخطوات، الهدف يبقى ثابتا، لكن الطريق هي التي تتغير، فإذا سلكت طريقا ما ولم تصل لغايتك، فجرب طريقا آخر.
الناجحون يسمون الفشل تجربة تعلم، أو أحد دروس الحياة. والحياة جامعة ضخمة، طريقتها في التعليم مختلفة تماما عن الجامعات التي درسنا بها. ففي الجامعة الرسمية، نقوم بأخذ الدروس وفهمها، ثم بعد ذلك نقوم بالامتحان، لكن في جامعة الحياة، نمتحن أولا، ثم بعدها نتعلم الدرس. الفشل هو الثمن الذي علينا أن ندفعه لقاء الدرس الذي تعلمنا إياه جامعة الحياة، فلكل شئ ثمن، وليس كما تعودنا على نيل الأشياء بالمجان، مجانية التعليم والصحة وغير ذلك.
الفشل هو إمتحان لرغبتنا في تحقيق أهدافنا، إذا قمت بمحاولة تحقيق أحد أهدافك، مثلا الحصول على دبلوم في الهندسة، ثم توقفت عن الدراسة، لأنك رسبت في أول إمتحان، ورفضت تكرار المحاولة من جديد، نستنتج فورا أن عدم تكرارك للمحاولة هو دليل على عدم وجود رغبة جادة لديك في الحصول على دبلوم في الهندسة، لأن الذي يستسلم من أول عائق يظهر في طريقه هو شخص ليست عنده رغبة صادقة وجادة في بلوغ هدفه.
إذا كان صاحبنا لديه رغبة جادة في الحصول على دبلوم في الهندسة، عند الرسوب في الإمتحان الأول، سيأخذ ورقة وقلما، ويقوم بالبحث في أسباب رسوبه، بعدها يقوم باستشارة من لديهم خبرة، ثم يكرر المحاولة من جديد. ربما البحث عن صديق جاد ومراجعة الدروس معه يكون هو الحل، ربما الحصول على دروس تدعيمية يفي بالغرض، أو ربما تغيير الجامعة يحل المشكلة. من يدري، جرب وغير الطرق والوسائل حتى يتحقق الهدف.
إذا كنت تسير في طريق، وفجأة ظهر حائط ضخم أمامك، يمكنك أن تجلس هناك وتشتكي للمارة عن هذا الحائط الذي منعك من بلوغ غايتك، ولكن يمكنك أيضا محاولة إختراق الجدار، أو الحفر تحت أساساته، أو الدوران حوله والبحث عن نقطة ضعف في بنيته. لكن لن يقوم بهذه الخطوات إلا من كان ذو رغبة جادة.
يشبّه أحد رواد التنمية البشرية، الإرادة والرغبة الضعيفة، بشرارة النار الصغيرة (مثلا عود ثقاب) التي تنطفأ من تلقاء نفسها أو فقط بنفثة هواء بسيطة تخرج من فمك. يعني تتوقف عن العمل، عند بروز أبسط عائق. أما الرغبة الجادة الكبيرة، فهي كحريق هائل لا يمكن إيقافه إلا بشق الأنفس.
ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أنه كان يردد في دعائه صباح كل يوم” اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال”
يعني أن هذه الثمانية أمور الواردة في الدعاء، سيئة جدا، لا يتمناها أي أحد لنفسه، وعلينا اللجوء إلى الله عزوجل لحمايتنا وإبعادها عنا.
الذي أريد التركيز عليه في صيغة هذا الدعاء هو: العجز والكسل.
العجز هو الرغبة الضعيفة المستسلمة التي تنطفأ عند بروز أول مشكلة، والكسل هو القعود عن العمل وعدم التشمير عن الساعد لتغيير الأوضاع وتحقيق الأهداف، ولعل هذين، من الأمراض التي يحملها الكثير من المحسوبين على الأمة الإسلامية، والأمراض النفسية تكون في بعض الأحيان أشد ضررا من الأمراض الجسدية، وأثار مرض العجز والكسل لا تحتاج إلى توضيح لأنكم ترونها أمامكم وتعيشونها كل يوم.
الساعات التي تهدر في مشاهدة البرامج والمسلسلات التافهة أوالقعود في المقاهي، الفراغ والبطالة المقنعة، العزوف عن القراءة في أمة أول أمر نزل إليها هو إقرأ، فاتورة الاستيراد الضخمة التي شملت حتى الأمور الخاصة بنا: السجادة والتسبيح، … والبقية تعرفونها بأنفسكم.
حتى لا يطول بنا الحديث أكثر، ملخص الملخص هو أن تحقيق أي هدف، مهما كان نوعه، على المستوى الشخصي، أو المادي، أو الصحي أو أي شئ آخر، تحتاج شيئين لا أكثر، الرغبة الجادة، والعمل الجاد، يعني أن تتخلص من شيئين العجز والكسل.
أعطي مثال بسيط عن هدف يريد بلوغه الكثير ممن قابلتهم، الهدف هو تعلم اللغة الإنجليزية.
حتى تتعلم اللغة الانجليزية، تحتاج أولا الرغبة الجادة.
الرغبة الجادة هي أن تسأل نفسك أولا، لماذا أريد تعلم اللغة الإنجليزية، حتى تتفوق في تخصصك، أو أن تحصل على منصب مرموق في شركة ما، لماذا تريد أن تتعلم الانجليزية؟
بعد أن تحدد الدافع الرئيسي عندك لتعلم الانجليزية، عليك أن تقوم بتخصيص وقت محدد تقضيه يوميا أو أسبوعيا في التعلم. من فضلك لا تتذرع بالوقت، لأننا نقوم بتقسيم أوقاتنا على حسب أولوياتنا، إذا كنت ذا رغبة جادة، فحتما ستجد الوقت.
ثانيا، بعد الرغبة الجادة، يأتي العمل الجاد، يعني أن تحضر المراجع من المكتبة أو الأنترنت، وتبدأ في الدراسة، أو يمكنك الانخراط في مدرسة خاصة وتدرس.
المشكلة ليست في عدم توفر الوقت أو المراجع، المشكلة هي عدم وجود الرغبة الجادة والعمل الجاد.
شئ آخر وأخير، أود الإشارة له ، النجاح في الحياة وتحقيق الأهداف، شئ بسيط، لكن ليس سهلا. أمر بسيط يعني أن الطريقة واضحة جدا، لكن ليس سهلا، يعني أن تضغط على نفسك وتجبرها على الجد والنشاط ليس أمر هينا، واسأل المجرب.
لو كان النجاح سهلا، لكان كل الناس ناجحون، لكن الأرقام تخبرنا أن فقط 2 بالمئة من الناس ناجحون.
أرجو أن أكون أنا وأنت منهم.
هذه المقالة مجرد رأي شخصي يحتمل الخطأ والصواب.
مرحبا بردودكم في خانة التعليقات.