اِسمٌ نُقِش على حجر التاريخ مقروناً بالدهاء و البسالة “عمر بن العاص” . هذا الرجل الذي هزم الروم في غير موقعة بذكائه وحيلته قبل سيفه. حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقّبه ب “أرطبون العرب”.
ولد عمر بن العاص في مكّة سنة 592 ميلادية زمن الجاهلية لأحد بطون قريش “بنو سهم” . و هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم. ترعرع كغيره من غلمان جيله على دين آبائهم بعبادة الأصنام و قد كان والده العاص أشدَّ رجالِ قريش عداوة للرسول صلى اله عليه و سلم و للمسلمين الأوائل.
كان عمر بن العاص تاجرًا ماهراً ساعد أبيه في التجارة منذ نعومة أظافره و كان يصحبه في رحلاته لكنه انفصل بتجارته عن أبيه في سن مبكرة، وقد اشتهر بحنكته في التجارة, و كثيراً ما تردّد على بلاد الحبشة للتجارة مع ابيه ثم وحده.
تزوج ب “ريطة بنت منبه بن الحجاج” و هو على الجاهلية و أنجبت له العاص بن عمرو الذي سماه الرسول صلى الله عليه و سلم عبد الله بعد إسلامه. و قد شهد بَدرًا و أُحدًا مع المشركين. وقد استمر على عدائه الشديد للإسلام حتى أنار الله قلبه.
إسلامه
سافر عمر بن العاص إلى المدينة في السنة الثامنة للهجرة ليُعلن إسلامه و ليبايع الرسول صلى الله عليه و سلم بعد أنْ تأكد أنَّ هذا الدين هو دين الحق و بعدما رأى أن الإسلام يتسع أكثركل يوم و أَنَّ كلَّ من دخل هذا الدين و ذاق حلاوة الإيمان لا يرتدّ عنه. و في طريقه إلى المدينة المنورة التقى خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة و دخل الثلاثة إلى المدينة مسلمين.
إقرأ أيضا:قصص اطفال قبل النومعمر بن العاص يقاتل مع المسلمين
بعد إسلامه إنطلق لتبدأ رحلة عطاءه في الإسلام فكانت بدايته أنْ قاد ثلاثمائة من المسلمين إلى غزوة ذات السلاسل, التي استخدم فيها ذكائه ودهائه وفطنت. وقد نجحت الحيلة بعد المدد الذي أتي بقيادة أبي عبيدة بن الجراح و قد أشاد الرسول صلّى الله عليه وسلم ببطولة عمرو و دهائه في هذه الغزوة، حين منع المسلمين من اللحاق بالفارين من جيوش قبائل قضاعة حتى لا يوقعو بهم و كذلك حين أمر بعدم إشعال النار و قد كان الوقت شتاء حتى لا يعرف الأعداء بقلتهم فتقل هيبتهم في نفوس أعدائهم.
و في زمن خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- تولّى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قيادة جيوش المسلمين في فتوحات الشّام، مع خالد بن الوليد وقد كان على رأس جيش من سبعة آلاف من المسلمين، حيثُ توجّه إلى سواحل الشّام وفلسطين، و قد تمت معركة اليرموك الشهيرة التي انتصر فيها المسلمون وكان عمرو أحد أبطالها.
و بعد فتح الشام و بيت المقدس و أثناء وجود عمر بن الخطاب بالقدس ليتسلم مفاتيحها استغل هذه الفرصة عمرو بن العاص و توجه إليه بطلب فتح مصر و قد حاول حتى أقنعه بذلك رغم معارضة بعض الصحابة. فقد أحب عمر بن العاص مصر منذ أول زيارته الأولى لها زمن الجاهلية فأُعجب بها و بأرضها الخصبة و بنيلها العذب و بحصونها و أبنيتها الجميلة و قد كانت وقتئذ مستعمَرةً من طرف الروم . و عرف أن فتح مصر سيأتي بالخير الوفير على بلاد المسلمين و لِكي يُؤَمِّن حدود الشام من هجمات الرومان.
إقرأ أيضا:عمر بن الخطابسار عمرو بن العاص إلى مصر من فلسطين و فتحها و استولى على حصونها واحدًا تلو الآخر حتى طرد الرومان منها و أشرقت شمس الإسلام على كامل أرض مصر و بُني أول مسجد بها سُميّ جامع عمرو بن العاص الذي بناه في الفسطاط التي جعلها عاصمًة لمصر بدل الإسكندرية.عينه عمرو بن الخطاب واليًّا على مصر ثم عزله الخليفة عثمان بن عفان و ولّى مكانه عبد الله ابن أبي السرح. لكن عاد عمرو لولاية مصر عهد معاوية بن أبي سفيان.
وفاته
توفّي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في مصر سنة 682 ميلادية عن عمر يناهز 88 سنة ، بعدأن أفنى عمره لخدمة الإسلام و نشر عقيدة التوحيد و مازالت أثار مدينة الفسطاط باقية إلى الآن بمصر القديمة.
إقرأ أيضا:حياة العلامة عبد الحميد بن باديسقال عبد الله بن عمرو بن العاص : كان أبي عمرو كثيرًا ما يقول: إني لأعجب من الرجل الذي ينزل به الموت، ومعه عقله ولسانه، فكيف لا يصفه.. قال: ثم نزل به الموت، ومعه عقله ولسانه، فقلت: يا أبتِ قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت، ومعه عقله ولسانه، كيف لا يصفه.. فقال: يا بني، الموت أعظم من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئًا، والله لكأن على كتفي جبال رضوى و تهامة، ولكأن روحي تخرج من ثقب إبرة، ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض، وأنا بينهما.